اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى والسّداد وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى والسّداد وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى والسّداد وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى". 

التُّقى هو أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ والمرادُ بالْهُدَى هُنَا الثباتُ على الإسلامِ والازديادُ من أعمالِ الْهُدَى والعفافُ هو التَّنَزُّهُ عن الفواحشِ والحرامِ. وأما الغنى فِي هَذَا الْحَدِيثِ فهو غنى النّفسِ لو كانَ المرءُ فقيرًا فإذا كان قلبُهُ غنيًّا فهو خيرٌ من الغنى بالمالِ؛ لأنَّ الأغنياءَ بالمالِ أكثرُ قلوبِهم معذبةٌ من شدةِ التّفكيرِ في أموالِهم، يقولُ لعلَّهُ يسطو عليَّ إنسانٌ ظالِـمٌ يأخذُ مالي أو يُغتصبُ أو يَضيعُ. وأما غني النّفسِ فقلبُهُ مرتاحٌ مِنْ ذلكَ يُفَكِّرُ في أمورِ دينِهِ ليُصْلِحَ حالَهُ ويزدادَ خيرًا وبِرًّا. لو يعلمُ الفقراءُ ماذا يحصلُ لِـهؤلاءِ الأغنياءِ من عذابِ النّفسِ لَـحَمِدُوا اللهَ على حالِهم وحالةِ الفقرِ. بعضُهم ماتَ من شدةِ الفزعِ على مالِهِ، وبعضُهُم ماتَ مِنْ شدةِ الكآبةِ ومنهم من أُصيبَ بالفالجِ إلى غيرِ ذلكَ، لا ينبغي أن يُظَنَّ أنَّ المالَ كُلَّمَا كَثُرَ يُرِيحُ النفسَ. 
وأما قولُهُ تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} سورةَ الضحى/ 8، ليسَ معناهُ جعلَكَ كهؤلاءِ الأغنياءِ الذينَ يجمعونَ ملايينَ الدراهمِ والدنانيرِ لا، إنما معناهُ وجدَكَ ذا فقرٍ فأرضاكَ بـما أعطاكَ من الرّزقِ، 
ومعنى {فَأَغْنَى} صارَ عندكَ الكفايةُ، فصارَ يجدُ كفايتَهُ وكفايةَ أهلِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم. 
فمعنى الآيةِ بعدَ أن كنتَ عائلا ليسَ لك كفايتُكَ، أغناكَ أي أعطاكَ كفايتَكَ. فأكثرُ الأنبياءِ كانوا فقراءَ، والغنيُّ منهم كان زاهدًا في الدُّنيا. 
فليسَ معنى الآيةِ جعلَكَ غنيًّا تملِكُ ما يكفي عشرةَ أنفسٍ أو عشرينَ أو ثلاثينَ أو أربعينَ لا، معناهُ كنتَ فقيرًا فرزقَكَ الكفافَ الغنى. غنى النّفسِ يُقالُ له غنى والغنى بالمالِ يُقالُ له غنى.
 
ثم الغنى بالمالِ قسمانِ القسمُ الأولُ الغنى الزائدُ والقسمُ الثاني الغنى بالمالِ الكفافُ الذي طلبَهُ الرَّسولُ منَ اللهِ أنْ يَـجعلَ رزقَ أهلِ بيتِهِ "كفافًا" وفي روايةٍ "قوتًا". وفي ذلكَ جاءَ حديثٌ حسنُ الإسنادِ رواهُ التّرمذيُّ في جامعِهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ:
 "اللَّهُمَّ أحيني مِسكينًا ـ أي مُتواضعًا ـ وأَمِتنِي مسكينًا ـ أي واجعَلْ ءاخرَ أحوالي في الدُّنيا التواضعَ ـ واحشُرْنِي في زُمرةِ المساكِينِ" أي المتواضعِينَ، وليسَ معنى الحديثِ أن لا يرزقَهُ كفايتَهُ؛ 
لأنَّ اللهَ تعالى أخبرَنا في القرءانِ بأنَّهُ رُزِقَ كفايتَهُ، فهذا الحديثُ متفِقٌ مع الآيةِ.

ایک تبصرہ شائع کریں

0 تبصرے